السبت، 15 سبتمبر 2012

أوجفت الحلقة المفقود من تاريخ آدرار ...... مهرجان الكيطنة النسخة الثانية تومكاد


بقلم : الأستاذ : والباحث السني عبداوه


يكاد يجمع الباحثون والمؤرخون الذين إهتموا بدراسة ماضي آدرار أن هذا الجبل ظل يشكل منذ تاريخه الأول وحدة جغرافية وثقافية عرفت إستيطانا مبكرا ومتناسقا لمجموعات بشرية، يختلف الباحثون في تحديد أصولها، منهم  من يقول إنها ذات بشرة سوداء مع تحفظ البعض على ذلك، ومنهم من يذكر مجموعات منها الجيتيل والبافورومجموعات أخرى ويقرر أنها هي التي شكلت النواة الأولى للمجتمع البشري في آدرار، وخاصة البافور الذي عرف الجبل بإسمهم – جبل البافورــ قبل أن تعطيه مجموعات الهجرات المتأخرة عن هؤلاء أسماء منها : جبل لمتونه ، وآدرار . ويقررإ بير بونت إعتمادا على مصادره أن هؤلاء أي البافور بربر قدماء جاءوا إلى آدرارقبل صنهاجة (إمارة آدرارص 15 ـ 19).
 
وعلى كل حال ومهما كانت هوية أولائك الرواد الأوائل فإنهم قد إستقروا وأعمروا هذا الجبل وتركوا آثارهم فيه من خلال الرسومات الصخرية والأدوات الحجرية والقبور المختلفة الأحجام والطقوس التي تمثل مع غيرها من آثار عمرانهم شواهد على مراحل تطور حياتهم وثقافتهم عبر مراحل العصور التي عاشوا فيها في هذا الجبل.
ولابد أن أسباب  الإستيطان ثم التقري لاحقا كانت وراءها عوامل طبيعية ملائمة نجد مصوغات لها في بعض المراجع التاريخية التي تعرضت إلى العصر الوسيط في آدرار بشيء من التحديد، فوصفته بغزارة المياه والكلاء الشيء الذي يجعلنا نعتقد جازمين بأن مجالات القنص والزراعة وتربية الماشية كانت من أهم النشاطات الحيوية لسكان آدرار القدماء قبل أن تشق قوافلهم التجارية الطرق شمالا وجنوبا..
 ومن الأدلة على ذلك الرسومات والأدوات القاطعة الحجرية والمعدنية في مرحلة لاحقة التي تنتشر في عرض آدرار وطوله من الغلاوية واكرديل والبيظ شمالا إلى آزويكه والمالح ولبحير في الجنوب الشرقي . كما أن ظهور الحيوانات الأليفة من أبقار وماعز وإبل في تلك الرسومات إلى جانب الحيوانات ميدان القنص تدل كذلك على إهتمام أولائك القوم بتنمية المواشي في فترات لاحقة من تلك العصور .
 هذا فضلا عن الآثار المادية مثل المعدات الحجرية التي كانت تستخدم لأغراض مختلفة وكذا البيوتات السكنية المبنية من الحجارة ... إلخ .
 من جهة أخرى تدل بعض الآثار الماثلة والتي ظهرت حديثا في منطقة المالح المحاذية لمنطقة لبحير في جنوب آدرار على تطور صناعة تلك الأدوات وأنتقالها من أدوات حجرية إلى مصنوعات معدنية بفعل إستخلاص السبائك المعدنية من الحجارة المصهورة وبالذات في موقع ( ظلعت إنتانه ) الواقعة على بعد 3 كلومتر شرق ( إدفيعت تيتارك ) بالمالح والذي يعتقد – حسب بعثة المعهد الموريتاني للبحث العلمي 2001 – التي زارت الموقع أنه كان موقعا رئيسيا لإستخلاص السبائك المعدنية من حجارة الموقع نفسه بدليل الإنتشار الواسع والكثيف للقطع المعدنية وشظايا ومنها أدوات قنص وأدوات زراعية حوله. .
وغير بعيد من هذا الموقع حوالي 6 كيلو متر شمالا تقع قرية كهوف ( شلخت لحمار ) ذات الرسومات الحيوية التي تنتمي شكلا ومضمونا لأجيال الرسومات الموجودة بمناطق البيض ، الغلاوية في أقصى الشمال وآزويكه في أقصى الجنوب وشاتو في الوسط الغربي من ظهر آدرار. .
وبين - ظلعت إنتانه – موقع إستخلاص السبائك المعدنية وشلخت لحمار قرية الكهوف، تنتشر أطلال بيوتات مبنية بالحجارة ظلت مطمورة تحت الرمال إلى عهد قريب والتي تنتمي هي الاخرى  حسب بعثة المعهد الموريتاني للبحث العلمي إلى فترات متقدمة من العصر الوسيط .
وبخصوص مدافن سكان هذه القرية فإنه تلاحظ وحدة النسق وتشابه الطقوس بين أشكال هذه المقابر وتلك المنتشرة في عموم آدرار مما يدل على شيء من التناسق البشري والثقافي فيه .  .
وفي المجال العمراني يكاد الحافر يقع على الحافر في مختلف القرى القديمة في آدرار مثل آزوكي وقرى وادان القديمة وصبع إدويرات قرب أوجفت وميتاره ( ترجيت ) وآزويكه  وآشدركل  وكدي ودفعت تيتارك وتومكاد ولمكيفه، وهذه القرى الأخيرة تسمى محليا بقرى البافور.  

ومن خصوصيات هذه القرى أنها مقامة على سفوح المرتفعات وغالبا ما تكون بمحاذاة منابت النخــــيــل ( الواحات ) الشيء الذي يدل على أن تلك الشعوب أو بعضها قد جنح إلى التقري وممارسة البستنة بما تعنيه الكلمة من إعتماد على منتوجات النخيل والزراعة تحته.
 وهكذا تزودنا المصادر بمعلومات كافية عن وجود واحات معتبرة في آدرار في وقت مبكر نسبيا من تاريخه وأرتباط سكان مناطق الواحات تلك بزراعة القمح والشعير تحت النخيل بأداة الشالوف ( أشيلال ) التي كانت تستخدم في آدرار لجلب المياه من العيون والآبار كما هو الحال في آزوكي مثلا  ( حصن حوله 20000 نخلة ) وقد يعني المصدر بكلمة حوله ،  حوله في جبل آدرار عموما خاصة وأنه تعرض لوصف جبل آدرار بغزارة المياه والكلاء ، بل وحاول تقدير مسافاته عرضا وطولا ، فقد لا يعني المصدر بالضرورة بكلمة حوله أن العشرين ألف نخلة التي ذكرها كانت حول الحصن مباشرة في وادي تيارت فحسب. .
ومن هنا تتأكد فرضية وجود واحات أخرى في تلك الفترة تشكل العشرين ألف نخلة المذكورة ربما في وادان وآبير وتومكاد وكدي  بالإضافة إلى أزوكي ... لخ .
وإلى جانب هذا فإن مدينة وادان قد أسهب الرحالة البرتغاليون في التنويه بإعتماد سكانها في معيشتهم على الشعير والتمور ولبن النوق في القرن 15 م .
 وفي غربي ظهر آدرار توجد واحات تومكاد  وآزويكه وكدي التي تنتمي إلى الفضاء التاريخي لتلك الحقب كما ذكرنا سلفا بحكم إرتباط هذه الواحات قديما بشعب البافور وإلى عهد قريب نسبيا مثل آزوكي. وبهذا الخصوص يذكر العلامة والمؤرخ عبد الودود ولد انتهاه في كتابه تحفة الأخيارفي معرض حديثه عن عمليات الإحتكاك التي حدثت بين أحمد بن شمس الدين والبافور للسيطرة على واحة (أزوكي )تيارت
 في القرن 9 هـ  حيث يؤكد إستخدامهم للكلاب في الدفاع عن .
أما بخصوص واحات تومكاد وآزويكه وكدي الآنفة الذكر فإن الروايات الشفوية المتداولة  تتناقل إحتكاكا من نوع آخر في نفس الفترة  له علاقة بما يسمى عندنا شعبيا ( التزبوت)أدى في نهاية الأمر إلى صلح بين محمد فاضل الأخ الأصغر لأحمد بن شمس الدين وبافور تومكاد، وهي القصة المعروفة محليا..
ومما يدل على إرتباط هذه الواحات قديما بالبافور وجود بعض وثائقهم العقارية المحلية بأيدينا الآن مكتوبة بلغتهم البربرية  وهذه الوثائق مكتوبة بالحرف العربي وكتابها مسلمون حيث تبدأ بالبسملة والحمد وتنتهي بالدعاء باللطف والمغفرة ، وموقعة من طرف كتابها الذين قد يكونون من علماء  البافور أنفسهم وهما : محمد أحمد الهاشمي ومبارك بن الحاج.
وإذا ما صحت هذه الفرضية الخاصة بإنتماء الكاتبين للبافور يكون إفتراض إبيير بونت عن أصولهم – بربر قدماء – صحيح أو ذا مصداقية على الأقل.
ولابد أن دخول القبائل للمتونية إلى آدرار كان أمرا معززا للإستقرار ومنشطا لحركة القوافل ومن هنا يمكن أن نستصيغ أسباب إتخاذهم لمدينة آزوكي بعد فتحها أول عاصمة لدولة المرابطين، ومنطلق فتوحاتهم لمالآدرار من أهمية أقتصادية وإسترارتجية.
 وبغض النظر عن تتبع مراحل نشأة وتطور هذه الدولة التي تاسست فعليا في آدرار ، لأن كل ذلك تناوله الباحثون والمؤرخون بما فيه الكفاية ، فإننا نكتفي فقط بالإستدلال ببعض الآثار الحضارية التي تدل على إزدهار المنطقة إقتصاديا في فترة معينة من ذلك التاريخ.
 فقد كشفت عوامل التعرية منذ  بدايات القرن الماضي في المنطقة المحاذية للهضبة التي تقع عليها أوجفت والممتدة حتى الواد الأبيض والتي كانت مغطاة إلى ذلك الحين بالكثبان الرملية والأشجاروالنباتات الكثيفة  كشفت عوامل التعرية إذن في هذه المنطقة عن عشرات العيون المبنية بالحجارة، وبقايا جذوع النخيل والسدود المقامة بالحجارة المرصوصة فضلا عن آثار الزراعة تحت لنخيل والتي لازالت جداولها واضحة للعيان بفعل تصلب التربة الطينية للمنطقة ، مما يدل على أن هذه المنطقة قد عرفت إزدهارا للبستنة في يوم ما من تاريخها وإن كنا لم نتوفر بعد على تحديد تاريخ قيام هذه الحضارة إلا أننا نستأنس بقرينتين إثنتين هما :  
 أولا : أن هذه العيون التي تعد بالعشرات لايتعدى طول الواحد منها مترين على الأكثر وهو ما يدل على أنها أقيمت في فترة خصبة  كثيرة المياه.

أما القرينة الثانية فهي وجود المقبرة اللمتونية بأبهتها وتأبيناتها المستفيضة بمحاذات هذه الآثار والتي تقع بينها وبين أوجفت القديمة مما يدل على أن آثار البستنة تلك تنتمي للحضارة اللمتونية التي سبقت مجيئ إبني شمس الدين أحمد ومحمد فاضل بعد هجرتهما من شنقيط في نهاية القرن الثامن أوبداية القرن التاسع.
وبذات الخصوص يقول أستاذ التاريخ بجامعة أنواكشوط  الدكتورحماه الله ولد السالم عن هذه المقبرة اللمتونية  في مقال له في جريدة النهار العدد 26/19-5- 2002: 

إضافة تسمية توضيحية

 (سرت حتى وقفت على المقبرة اللمتونية التي تحكي عن سلاسل من الفقهاء والعلماء والأعيان الذين لاأشك أنهم جزء من الحضور اللمتوني الكبير الذي عرفته منطقة آدرار في القرون الماضية منذ عهد المرابطين إلى أيام بني حسان حيث أطاح هؤلاء بإمارة إيبدوكل اللمتونية الشهيرة
ولفت إنتباهي بقاء نقوش المقابر بارزة في صخور البازلت السوداء الصغيله كما شد إنتباهي دقة الناقشين وأمانتهم العلمية في التمييز بين المعنيين أنسابا وأصولا ومجدا وورعا وفضلا إلى غير ذلك من لأوصاف الذاتية. (إنتهى الإشتشهاد)
إن ما أوردته في هذا العرض حتى الآن لايتعدى كونه ذكر لبعض المؤشرات التي تدل على كثافة الغموض الذي لازال يلف الكثير من جوانب تاريخ آدرار وخاصة مناطق غربي باطن وظهر آدرار التي لم تحظ حتى الآن بما يكفي من الإهتمام من طرف الجهات المختصة لبناء الحلقة المفقودة من تاريخ آدرار كما قلنا أولا.
وما ذكرته عن الماضي البعيد من غموض ينطبق أيضا على الماضي القريب نسبيا أي فترة دخول الإسلام إلى البلاد والمناطق التي وصل إليها لفاتحون الأوائل
فعلى سبيل المثال توجد في واحة تيبران 9 كلومتر شرق أوجفت مقبرة على الطريقة الإسلامية حوالي 19 ضريحا يتوسطها قبر مميز بطريقة ملفة للإنتباه تنتصب قبالة رأسه صخرة طويلة تحمل تاريخ وفاته 101.
 أما تأبينه فيقع خلف قدميه منقوشا على حجر متوسط ويقرأ من أمامه ويدعى صاحب هذا القبر علي بن يدزه أو يزيد . وعلى مسافة 50 مترا إلى الشمال من هذه المقبرة تقع مقبرة أخرى مبعثرة ومتباينة الإتجاهات.
 ومما يوحي به هذا المشهد أن الأمر يتعلق بمعركة كانت قد حدثت بين فريقين مسلم ( الدفن على الطريقة الإسلامية ) وكفار ( المقبرة المبعثرة متباينة الإتجاهات ) وأن الأسلحة التي أستخدمت في هذه المعركة كانت سهاما لإنفصال المقبرتين بعضهما عن بعض، وانسجام المسافة بينهما مع مرمى السهم. .
: وبهذا الخصوص يقول الدكتور حماه الله ولد السالم  الذي زار الموقع في معرض مقاله المؤرخ أعلاه
  (ويدل هذا التاريخ المبكر لهذا العربي المتقدم على حضور عربي مبكرلعله مرتبط بالفتح العربي الإسلامي في عهد عبد الله بن الحبحاب والي إفريقية ونائبه على منطقة السوس التي ظلت سرايا الفتح تنطلق منها في إتجاه الصحراء لاسيما بين 62هـ  و123 هـ ، ومن أشهرها حملات أحفاد عقبة بن نافع وحملات الفاتح الغامض الأخبار المشتري بن الأسود. .
إن هذا الضريح المشار إليه أعلاه قمين بتنبيه الباحثين إلى ضرورة التنقيب عن آثار الفتح والهجرات الإسلامية الأولى في محيط أوجفت وغرب آدرار)إنتهى الإستشهاد من مقال حماه الله .
ويتابع الدكتور حماه الله في سرد مشاهداته لكن هذه المرة في مقبرة المؤسسين الأوائل لأوجفت المدينة فيقول:
( كما شهدت تتالي وتساوق تواريخ وفايات الاعيان لاسيما من الاسرة المؤسسة لأوجفت واقدم التواريخ كان بين سنة 821هـ و 971 هـ  والقرن الموالي)إنتهى الإستشهاد  من مقال حماه الله  
ومن هنا نبدأ المحور الأخير من هذا العرض ، فبالرجوع إلى تواريخ وفايات الأعيان الأوائل من الشماسدة  ( الأسرة المؤسسة كما سماها الدكتور حماه الله ) نجد أن أقدم تاريخ منقوش في المقبرة القديمة من الشماسدة الأوائل هو تاريخ وفاة الإمام محمد بن محمد فاضل بن شمس الدين 821 هـ وهو من الجيل الثالث بعد شمس الدين القلقمي المتوفى في شنقيط  وأول إمام لمسجدها الجامع كما تجمع المصادرعلى ذلك بعد التأسيس 660 هـ 
 إذن توفي الإمام محمد بن محمد فاضل هذا ودفن بالمدينة القديمة منذ 612 سنة  أي بعد تأسيس مديــــنة شـنـقـيـــــــط ب 161سنة فقط ، فهل نفترض أن الرجل هاجر مع والده محمد فاضل من شنقيط بعد الخلاف الذي أعقب وفاة شمس الدين بن يحيى ، حول أرث وظيفة الإمامة في شنقيط التي كانت نصيب والده وترتبت عليه هجرة إبنيه أحمد ومحمد فاضل ليستقرا بأوجفت ويتوفيا في ضواحي المدينة ، أحمد في بلدة أكنين احمد 6 كلومتر شمال أوجفت و محمد فاضل 12 كيلومتر  شرقا عن المدينة ببلدة إتويجكجة
 وإذا كنا لا نمتلك أجوبة على مجموعة من التساؤلات التي تترتب على التاريخ الدقيق لإمامة شمس الدين لجامع شننقيط بداية ونهاية ، وتاريخ هجرة إبنيه أحمد ومحمد فاضل إلى أوجفت المنطقة فإن السؤال الأول يبقى معلقا إلى حين.
لكن المؤكد أن المدينة تأسست قبل 821 هـ تاريخ وفاة الإمام محمد بحجة وجوده ضمن مقبرة المدينة ، وهكذا تكون قد تأسست في القرن الثامن الهجري أي القرن الموالي لتأسيس مدينة شنقيط القرن السابع ، وبذلك فإن أوجفت تنتمي لنفس الفترة تقريبا.
وبالعودة إلى آثار المدينة القديمة التي تكشفت معالمها الآن بعد أن غزتها الرمال وظلت مطمورة أو مبعثرة بفعلها مما أدى إلى نزوح السكان عنها في إتجاه الجنوب الغربي للمرتفع لإقامت المدينة الثانية ، بالعودة إذن إلى تلك الآثار نلاحظ أن اغلبية الدور والحيطان ظلت قائمة، ومنها ماهو قابل للترميم البسيط ليصبح سكنا مقبولا.
 ويتوسط هذه المدينة مسجد كبير متهدم إلا منبره وبعض حيطانه وأصاطينه ، وتحيط به أبنية لاتزال قائمة بذاتها ومن الآثار الحيوية التي تكشفت من تحت الرمال بعض النقوش البارزة في مكان صخري مرتفع يعتقد أنه كان مكان تجمع يرتاده الشباب من الجنسين ويتبادلون الرسائل الرمزية من خلال تقاريظ صريحة وكلمات رمزية بطريقة ( تنقيط الحروف الأبجدية ) المعروفة ، فضلا عن ظهور أسماء فصيحة وصنهاجية مثل : أحمد ومحمد وترب وتامكولت وغير ذلك من الأسماء التي تزخربها صخور المرتفع.
 وهذه النقوش سابقة على الأقل للبناية التي أقيمت فيما يبدو على بعضها فضلا عن قربها من المقبرة اللمتونية وهو ما يدل على أنها أيضا سابقة للمقبرة نفسها لما يسببه نحت تلك الأسماء والرموز من ضجيج مزعج للمقبرة وهو ما يتنافى مع آدابنا الإسلامية وسكينة وهيبة المقابر

أما الملاحظة التي لامراء فيها فهي الدقة وحسن الكتابات المنقوشة التي تميل في أغلبها إلى الخط الكوفي مما يدل على أن أصحابها كانوا من الطبقة المتعلمة.
 وفي ما يتعلق بالمستوى المعرفي للطبقات الأولى من المؤسسين فإننا لا نمتلك للدلالة عليهم أكثر مما تعج به تأبينات قبورهم من ألقاب الفقيه ، العلامة ، السني الأشعري العارف الرباني ، الولي ، الإمام ... الخ ...
غير أن الصورة تكون أوضح أكثر إبتداء من القرن 11 هـ  والقرون الموالية حيث تزودنا الوثائق العقارية بأدلة موثقة عن أجيال العلماء والقضاة الذين عاشوا في تلك الفترات واعتمدوا الإمامة والجماعة كنظام لتسيير شؤون المدينة داخليا وخارجيا.
 ولاشك أن المعايير الثلاثة التي كانت تخول من تحصل عليها العضوية في جماعة الحل والربط بأوجفت  حسب المقولة المأثورة : 60 حزب من القرآن 60 قف من خليل 60 حفرة من النخيل ، كانت حوافز طموحة من العيار الثقيل خلطت بين المعرفة والعمل وهو ما سنرى تأثيره في الفترات اللاحقة في هذه المرحلة المبكرة من تاريخ أوجفت .
يذكر الكولونيل مودا في يومياته عن مساهمات الزوايا في حرب شرببه في منطقة القبلة قرن 11 هـ ( أن أوجفت أرسلت 60 رجلا مسلحا دعما لزوايا الجنوب في حربهم المقدسة ، يوميات مودا،الصفحة 560)
ويتفق هذا مع ما يذكره الشيخ محمد سعيد اليدالي في كتاب أمر الولي ناصر الدين حيث يقول مانصه :
( فلما وصلنا شمامه أرسلنا إلى قرية أوجفت فأمدونا ب 60 رجلا مسلحا ، مخطوطة الصفحة 4)
ولابد أن نقف أمام هذا الدعم السخي الذي إن دل على شيء فإنما يدل على وجود جماعة منظمة ، ومجتمع قوي ، وطفرة إقتصادية ، ثلاثة عناصرمكنت أوجفت من الإستغناء عن ستين رجلا ودفعها إلى المجهول ، فضلا عن توفير مراكبها وتسليحها مما يدل على أن المدينة كانت تعيش في القرن 11 هـ إزدهارا إقتصاديا وثقافيا مكنها من توفير هذه المساهة الكبيرة في حرب شرببة ، إضافة إلى ما يدل عليه هذا الدعم من علاقات حميمة مع منطقة النهر.
 وفي مدينة أطار نجد السياق التنظيمي  ذاته وإن كان أكثر عقدية وأكثر وضوحا من الناحية التنظيمية حيث الإمام المجذوب محمد بن الحسين الشمسدي الذي ظهر بحركته المشهورة والتي بايعته على الإمامة عند ضريح الإمام الحضرمي بأزوكي ، وما نجم عن تلك الحركة من سجال بينه وبين فقهاء المنطقة ، وتزكية علماء الأزهر لكتابه ذاك.
 " كتاب المنة " وغير ذلك مما هو معروف لدى الجميع
وفي بدايات القرن 12 هـ ، تعود بنا وثائق الإقطاع العقاري إلى أوجفت حيث الوثيقة المشهورة والمؤرخة 1153 هـ  والتي تقول بالحرف ما نصه : ( بسم الله الرحمن الرحيم ليعلم الواقف عليه أن الإمام محمد والجماعة أذنوا لمحمد ولد الحمد بإحياء بلدة أكصنجيل فبعثوا معه قاضيا وشاهدين عدلين قوموها  بعشرين مثقالا ذهبا دفعها محمد المذكور لبيت مال المسلمين وبرئت منها ذمته) وهكذا تسلط هذه الوثيقة الأضواء الكاشفة على طريقة الإقطاع العقاري في أوجفت في تلك الفترة فضلا عن إبراز مكونات هذا النظام : إمام ، جماعة ، إذن بإحياء أرض ميتة ، قاضي ، شاهدين عدلين ، تقويم ، مبلغ من الذهب ، بيت مال المسلمين ، والبراءة ، وهو نظام متكامل وذي مرجعية فقهية واضحة.
 وهكذا وفي خضم هذا الإزدهار الذي عرفته المدينة وضواحيها منذ القرن 11 هـ وحتى وقت متأخرجدا  شكلت أوجفت من نفسها منطقة أستقطاب فريدة في تنوعها البشري حيث توافدت عليها ومنذوذلك الحين أفواج من العلماء الأجلاء.
وفي أواسط القرن الثالث عشر شهد ذلك التوافد أوجه بمجيء مشاييخ الطرق الصوفية بدء بالشاذلية فرع الغظف الذي تأسس هنا على يد الشيخ سيد أحمد بن عمار البوصادي.
 والقادرية على يد الشيخ أحمد ولد سيد عبد الله العلوي ثم القادرية أيضا على يد الشيخ محمد عبد الرحمن ولد فال الخير العلوي ( باباه ) ثم فروعا أخرى من القادرية على أيدي كل من الشيخ هارون ولد الشيخ سيديا والشيخ محمد عبد الرحمن ولد إزوين ( بحان ) والتيجانية الحافظية على يد الشريف ولد الناه ثم الفاضلية على يد الشيخ ماء العينين بن الشيخ محمد فاضل ثم التيجانية الحموية على يد كل من الشيباني ولد أحمد عبدي وابناء عبداوه الشيخ سيد محمد والشيخ محمد الامين ( حمين ) والشيخ محمد السالك بن الطالب الجكني الأوجفي ، ثم التيجانية الإبراهيمية على يد الشيخ محمد الأمين بن سيدينا.
وقد أستقطبت هذه الطرق الصوفية التي تعايشت بسلام ووئام في أوجفت ، أستقطبت بدورها مجموعات من فطاحلة العلماء والشعراء من أمثال العلامة عبد السلام ولد حرم ولد عبد الجليل العلوي  الذي عاش وتوفي هناك والعلامة محمد الكبيرولد العباس العلوي ومحمد خون العلوي وطالبن محمد محمود العلوي والشيخ التراد ولد محمد محمود القلاوي وغيرهم كثير.
وكان لوجود هذه الطر  ق الصوفية ، فضلا عن التنوير العلمي والمعرفة الربانية تأثير إقتصادي كبير قوامه القوافل المسيرة والإقطاعات العقارية الكبيرة وغيرها من أسباب الإزدهار الذي عرفته المدينة في عهد هولاء. وفي القرن 18 شهدت المنطقة قيام إمارة أبناء يحيى بن عثمان التي أسهمت في توفير الأمن والإستقرارفي المنطقة وخصها الله بأجيال من الأمراء الأقوياء الذين أقاموا العدل وحكموا الشرع .
وقبل أن أنهي هذا العرض لابد أن أذكر بكل إجلال وتقدير الشريف الشهيد سيدي ولد مولاي الزين ورفاقه الاشاوس الذين أقتحموا الحصن الحصين للإستعمار الفرنسي  بتجكجة وقتلوا كبولاني إنطلاقا من أوجفت ليتوجوا تاريخ مدينتهم الحديث بتاج من النضال والإباء وقوة التضحية ورمز الخلود.


ليست هناك تعليقات:

أوجفت وأطار في عمق التراث الإنساني

أوجفت وأطار في عمق التراث الإنساني د. دداه محمد الأمين الهادي دأبت موريتانيا على تنظيم مهرجانات سنوية باسم المدن الأثرية، و...