• لاشك أنكم تعرفون السني عبداو الصحفي الذي بهر الشباب ببرنامجه ، بيت الساهرين ، وبصوته الجمييل
    السني عبداو من مواليد مدينة أوجفت التاريخية تربى هناك وذهب إلى أطار حيث بدأت رحلة البحث عن الذات ، كان السني عبداو مولع بالبي بيسي كثير الغستماع لها بالإضافة إلى إذاعة موريتانيا أنذاك
    السني عبداو رئيس مركز شمس الدين للتراث والنشر والإعلام ورئيس إتحاد رابطة الشباب للثقافة والفنون الأوجفتية ومركز شمس الدين للت...راث والنشر والإعلام
    السني عبداوة..ارتبط اسمه ب"بيت الساهرين" البرنامج الأدبي الشهير الذي ظل يبث من إذاعة موريتانيا طيلة العشرينية الماضية. حنجرة عبداوة الآسرة، والشخصيات الأدبية الهامة التي يستضيفها، ومتعة الحديث الأدبي.. كلها جعلت من البرنامج منتزها تحسد فيه العيون الآذان.
    وهناك بالغرفة المقابلة لمكتب المرحوم الأديب محمدن ولد سيد ابراهيم بمكاتب الإذاعة القديمة كانت "الأخبار" تضع على طاولة عبداوه عددا من الأسئلة. فكان هذا الحوار.

    الأخبار: بعد الشكر على هذه الفرصة، لاقى برنامجكم "بيت الساهرين" صدى واسعا طيلة العشرين سنة الماضية، لكن بودنا أن نعرف عن بدايتكم الإعلامية وهواية الصحافة؟

    السني: هوايتي الإعلام وكنت من أوائل من امتلكوا المذياع وأنا في المحظرة أقرأ القرآن في البادية وقد غرست عندي تلك المرحلة من الطفولة حب الإعلام والصحافة لأني كنت من خلالها مدمنا على مجموعة من الإذاعات التي كانت موجودة في ذلك الزمن كالقسم العربي لهيئة الإذاعة البريطانية بلندن ـ أما إذاعة موريتانيا فكان إرسالها ضعيفا جدا بحيث لا يتجاوز تلك الفترات بضع ساعات ـ إذن غرست عندي تلك المرحلة حب الإذاعة و عندما كنت صغيرا في "المحظرة" كنت أحاكي بعض المذيعين الموجودين في الإذاعة البريطانية وأستمع جيدا إلى حسن الكرمي الذي أداوم على متابعة برنامجه "قول على قول" بسبب هوايتي للأدب.




    الأخبار: جئتم بعد الجيل الأول في الإذاعة وعند اعتماد أول مسطرة مباشرة، كيف كانت الإذاعة في تلك الفترة وماذا عن إسناد "برنامج بيت الساهرين" إليكم؟

    السني: كنت أتردد على الإذاعة وحاولت الالتحاق بها في بداية الثمانينات إلا أن الظروف في تلك الفترة لم توات للالتحاق بها. الإذاعة الموريتانية أقدم من الدولة فقد كانت موجودة في سنلوي ومنها انتقلت إلى نواكشوط قبل الاستقلال. وكلمة "هنا نواكشوط" التي تسمعونها دائما جاءت قبل وجود "نواكشوط" لتأشر على أمور: أولا إلى عاصمة جديدة لأنها قيلت قبل الاستقلال وقبل أن تكون العاصمة موجودة ، فكان الصحفي لحبيب هو أول من قالها. أيضا أِشارت إلى "إذاعة موريتانية" لأنها أول مرة تدخل إلى البلاد، كما أن "موريتانيا" تؤشر لميلاد دولة ستولد بعد سنة. لم ألتحق بها إلا سنة 1990 بعد لأي وبعد كد شديد. ومكثت متعاونا لمدة 6 أشهر.
    البرنامج بدأ مع بدايتي في الإذاعة لأنه في هذه الفترة أنشئت أول مسطرة مباشرة متكاملة تبث على موجة F M. وكان من المقرر لبرنامج بيت الساهرين أن يستضيف ضيوفه من بيوتهم. من هنا جاء اسمه "بيت الساهرين" أي الناس التي تسمر مع الإذاعة من بيوتها. ولبعض المشاكل التقنية لم تتمكن الإذاعة من إيجاد البرنامج بهذا الشكل. فبالتالي أعطوني الخيار بأني أطرح له استيراتيجية خاصة نابعة من قناعتي والطريقة التي أراها. فقررت أنه برنامج أدبي ثقافي يتناول التراث وخاصة التراث الوطني لأن خصوصياته على طول عشرين سنة أنه ما قرأ فيه أي بيت من الشعر لغير الموريتانيين. ولم يتناول قط أي موضوع غير موريتاني فنحن نزخر بموروث حضاري كبير لم يتكلم عنه غيرنا ويجب أن نكرس جهودنا للكلام عنه. من هنا جاء احتكار البرنامج للتراث الموريتاني.
    وقد اخترت له ما يلي: توقيت 11 مساء الأربعاء ليلة الخميس كما يظهر ذاك خصوصا في أغلب المقاطع الشعرية عن البرنامج. كما اخترت في الإخراج الموسيقى السودانية فهي هادئة تناسب الأدب وتناسب الوقت المتأخر من الليل الذي يبث فيه البرنامج الحادية عشر والنصف.

    الأخبار: وهل حقا أن البرنامج جمع حوله مدونة شعرية لشبه المنطقة؟

    السني : استطاع البرنامج أن يعرف بالمدونة الموريتانية إلى جانب المجهودات الأخرى. فقد وصلتني في فترته الكثير من الدواوين عن الشعراء المطمورين وعن الشعراء المعروفين. حتى أن بعض المدارس الأدبية التي تنتمي للمدرسة الأدبية الموريتانية وصلتني منها دواوين حيث وصلتني من "أزواد" مثلا لأن المدارس الادبية والعلمية في "بتنبكتو" مرتبطة بالمدارس عندنا. خاصة مدرسة ولاته وتيشيت. وكذلك المدارس الأدبية في السنغال وصلتني منها الكثير من الدواوين للتيجانيين وغيرهم. ووصلتني دواوين من مالي.

    الأخبار: كان البرنامج مجالا لقول الشعر، وراسلك العديد من الشخصيات الأدبية بشأنه، ما هو أبرز ما تتذكرون من ذلك؟
  •  
    السني :  أتذكر مفاجئة وهي أني كنت في مؤتمر مغاربي بالمغرب وكان بصحبتي بعض الزملاء وكنا في الرباط فجاءني أحدهم وقال لي إن السفير الموريتاني محمدن ولد امبيريك دعانا للعشاء معه في بيته وتوجهنا إليه فاستقبلنا بكثير من الترحيب أمام منزله وانفصل عني زميلي وأخذ بيدي المرحوم إلى داخل دار السفارة وعبر ممر كبير أوصلنا إلى مقصورة مفتوحة على حديقة المنزل وفجأة توقف بي وسط المقصورة وهي مقصورة كبيرة ومزينة وبها شاشة كبيرة، توقف بي فجأة وقال لي "هذا هو بيت الساهرين" واسترسل قائلا هذه المقصورة طيلة الأسبوع للضيوف والعيال وغيرهم باستثناء الأربعاء ليلة الخميس فأحتكرها لنفسي ولبعض زملائي العرب والمغاربة لنستمع ونسمر معك في بيت الساهرين. لأننا نلتقطها على التلفزيون وتناول ورقة يبدو أنها كانت معدة ومطروحة على جهاز التلفزيون كتب فيها:

    لولا الذي يحتويه البيت من سقف قطعا وما حول تلك السقف من مدر
    والمرسلات من الموجات آونة من الإذاعة بالإعلان والخبر
    بشرى لنا موعدا منها تؤكده ليل الخميس بجمع الشمل والسمر
    لانتابني أن بيت السامرين له بيت من الشعر في بيت من الشعر



    هذه الأبيات الأربعة كانت معدة في ورقة ناولنيها وقال لي "اجعل هذه الأبيات ضمن ديوان بيت الساهرين" وقد تعهدت له بذلك وهي الآن في ديوان بيت الساهرين بالكتاب الذي ألفت عن الإذاعة.

    هذه مفاجئة، وهناك مفاجئة أخرى عن صيت البرنامج، فقد حدثني الدكتور محمد الأمين ولد سلمان وزير الصحة آنذاك وكان يحضر مؤتمرا بالقاهرة وفي كواليس المؤتمر لاحظ أن مسئولا عربيا يقترب منه دائما. بل ويشاركه الطعام في أوقات العشاء ويقترب منه ويسأله عن موريتانيا. فمرة وهو منفرد معه في الحديث، قال له كيف حال موريتانيا فبدأ الوزير يتحدث عن موريتانيا والظروف الجيدة التي تعيشها اقتصاديا وأشياء من هذا القبيل، لكن المسئول العربي لم يشأ أن يقطع حديثه وواصل فقال له "وهل ما زال بيت الساهرين يذاع من إذاعتها" والوزير كان متابعا مدمنا للبرنامج وهو متخصص في الاجتماع وكنت أستضيفه. ويقول الوزير إنه في تلك الفترة لم يكن على علم بأخبار البرنامج فحاول أن يتخلص من السؤال بالاسترسال في الحديث عن البلد وهذه هي مسئوليتي كما يقول الوزير خصوصا أني غير عالم بأخبار بيت الساهرين في تلك الفترة. وهذا محرج لي. لكن المسئول العربي استرسل قائلا "لقد تعرفت على بلدكم الجميل وشعركم الجميل من خلال هذا البرنامج الذي استمعت إليه 8 سنوات متتالية ولدي تسجيلات 8 سنوات أتفرغ إليها في أوقات الفراغ والراحة.

    الأخبار: وهل تراجع دور البرامج الإذاعية اليوم بسبب طفرة الانترنت والمواقع الالكترونية وحتى سيل القنوات الفضائية، ما جعلكم توقفون البرنامج؟

    السني: لا .. لا، هذا لا يوقف البرنامج، سبق أن أوقفته الإذاعة من قبل لمدة ثلاث سنوات بسبب عوامل أنا أصنفها بأنها شخصية وستلاحظون ذلك في الكتاب الذي لم يدع كبيرة ولا صغيرة. توقف سنوات توقيفا مفاجئا والحقيقة المبررات لا أريد ذكرها فليست مهمة إلا انه عاد أيضا مع بداية 2010 ثم أوقفوه الآن نهائيا. وعلى كل حال، البعض يرجع الأمر إلى أن البرنامج منذ عشرين سنة أو تزيد وأنه شاخ وبالتالي يجب أنه يتجدد في ثوب آخر. ولكن بالنسبة لي أنا هذا ليس مبررا لأن هناك البرامج الأوروبية القديمة جدا. مثلا في الإذاعة الفرنسية وفي إذاعة بريطانيا التي تقدم برنامج "قول على قول" الذي استمر 43 سنة. كما عندنا في القاهرة بعض البرامج زادت على أربعين سنة. إذن البرنامج عندما يكون ناجحا يصبح جزء من الإذاعة وبالتالي لا ينبغي القضاء عليه. وبالنسبة لي مهما كان المبرر ف"بيت الساهرين" لا يمكن أن يشيخ لأنه عبارة عن حفرية في التراث والموروث الثقافي والحضاري للبلد الذي حقيقة حتى الآن لم يكتب عنه ولم يعرف عنه إلا القليل.
     
    هناك أنك أنت لن تكون حياديا في القضايا الذاتية بك. فالشخص يستحسن كل شيء راجع إليه وله به علاقة بينما الآخر له نظرة أخرى.إلا أنه بالنسبة لي ليس بالضرورة رجوع البرنامج ولا ذهابه أصلا. المهم عندي أن الدور الذي كان يقدمه يتواصل سواء بإعداد مني أنا أو أي واحد آخر. ما أحبه هو أن يستمر فهو حفرية في تاريخ هذا البلد وتراثه وثقافته. ليس هناك مبررات لتوقيفه سواء في النهاية كان يعده "عبداوة" أو واحد آخر.

    الأخبار: مثلت اتصالات المستمعين خصوصا من البادية والريف رافدا طريفا للبرنامج وكان سجلا للكثير من القصص الجميلة، ما هو أخلدها بذاكرتكم الآن؟

    السني: أتذكر مرة اتصل بي مستمع من الداخل من بعيد من أقصى البلاد وطلب مني أن أطرح عليه سؤالا قلت له من هو قائل هذه الأبيات وكنا حينها في حديث أدبي. فقال لي لا، لا تجربني في الشعر، فلا أعرفه أنا راعي ماشية فاسألني فقط عن شيء يتعلق بالحيوان وأشياء من هذا القبيل. فلزم علي أن أنزل إلى مستواه. قلت له قل لي من أي نسيج يصنع "شمال" الناقة ؟ قال لي أنا لست من أهل الابل أنا راعي بقر لكن لعله من "تبننه" قلت له طيب. ومن ما ذا يصنع شمال البقرة فقال البقرة "تشمل"؟ مع السلام هذه الفوضى إذن!!. والقاعدة العامة أني كنت أخاطب النخبة في جانب وفي نفس الوقت مستعد للنزول إلى الحضيض عندما يكون المشارك أميا بحيث ينال غايته في البرنامج. فأختبره في الأمثال الشعبية وبعض الثمار الموجودة في الأشجار البرية وأسماء المناطق وأشياء من هذا القبيل.
    جو البرنامج طريف، وأتذكر قصة أخرى، اتصل بي ذات ليلة مشارك من البادية. فطرحت عليه سؤالا وكنا حينها نتناول موضوعا فكريا. فقال لي آها! ، أنا سمعتك قبل قليل تتحدث عن المأكولات فاتصلت لتطرح علي سؤالا في المأكولات. فقلت له " حين تأتي متعبا في الليل إلى خيمة في البداية وقد بلغ منك الجوع مبلغا عظيما، فيهيأ لك الشاي لكن طامتك الكبرى هي الجوع. وبعدما طال انتظارك وتأخر الليل إذا بالمرأة قادمة تحمل في إحدى يديها "مرجن" (إناء الطهي) مغطى وفي يدها الأخرى اللبن وقطعة ملح ووضعت لك هذا. ما ذا ستفعل؟ قال لي أعرفه جيدا أرفع أطراف "دراعتي" وأصب اللبن بعد وضع الملح فيه على "العيش" (وجبة موريتانية) وأتعشى. قلت له أين العيش؟ قال في "المرجن" قلت المرجن فاضي قال لي ويحها!! هي تلعب بي!!
    هو نوع من التنكيت وعلى الإعلاميين أن يفهموا أن المجتمع مجموعة من الطبقات وكل مستوى له ثقافته ومشاغله. وبالتالي الصحفي المثالي والبرنامج المثالي يجب أن تجد كل هذه المستويات مقعدا عنده وتستفيد.

    برنامج "المغتربين" الذي قدمته لمدة سنة، كان لا يخلو من نكهة "بيت الساهرين"، ما ذا عن أبرز المتصلين به، وكشفه عن حالات قاسية من الغربة؟
    السني: برنامج بيت المغتربين كان أيضا هو برنامج له نكهة أدبية، فكان نوعا من محاولة ربط أيضا المغتربين منا بوطنهم وماضيهم فما ينقصهم في أبدجان أو "جامبيا" نحاول أن نمنحه له من عزة بلدهم نناقش معهم المواضيع التي يعرفون ودائما أسأل الشخص أنت من أي منطقة لأتكلم له عن بيئته الثقافية التي جاء منها لأنه يفهمها أكثر مما يفهم غيرها. وفي الحقيقة في ثوبه الأول كان برنامجا جيدا. وأحترم أيضا ثوبه الثاني أيضا. إلا أنه كان عنده طابع ثقافي في تلك الفترة وهي السنة الأولى من عمر ذلك البرنامج. بعد ذلك تفرغت بجهودي لبيت الساهرين ليكون البرنامج الوحيد عندي.