دأبت موريتانيا على تنظيم مهرجانات سنوية باسم المدن الأثرية، وقد تكرس وجود تلك المهرجانات في ما يعرف بالمدن القديمة الأربعة، وهي مدن تصنف على أساس نشأتها ووجود تراث إنساني تحتضنه، يهم البشرية جمعاء، وقد اعترفت الدولة لتلك المدن بالأصالة المطلوبة في حالتها مدنا تاريخية،
ولم تنس الدولة الموريتانية الاعتراف بمدن تاريخية أخرى، غير أنها صنفتها تصنيفا منعها من أن يحتفل بها ضمن التراث العالمي من قبل اليونسكو. وكانت مدينة أوجفت وهي مدينة معترف لها بالصفة التاريخية طالبت هي الأخرى بأن تصنف إلى جانب المدن الأربعة، ونحت منحاها مدينة قرن القصبة الواقعة في أطار، لكن قضية المدينتين ظلت خارج دائرة الضوء لسبب أو لآخر، إلى أن قيض الله للمدينتين من يرفع قضيتهما عبر السلالم الإدارية حتى وصلتا اليوم إلى مرحلة متقدمة جدا، نتناول موضوعها في هذا المقال. لقد كانت البداية بالنسبة لأوجفت في سنة 1991، في عهد عمدتها السابق السيد/ محفوظ/جدو، الذي حاول من جانبه البحث لأوجفت عن إنصاف تستحقه لكونها مدينة أثرية، توجد دلائل حية على أحقيتها في أن تكون من مدن التاريخ الأولى وطنيا، حيث عمرها البافور، وتحتوي على مقبرة لمتونية قديمة، وشواهد كثيرة في مراسلات ومخطوطات تدل جميعها على أن أوجفت لا تقل شأنا عن المدن الأربعة. نضالات ولد جدو توجت من معهد البحث العلمي بتوصية، أكد فيها المعهد على أن أوجفت تحتوي ما يجعلها مدينة تاريخية، ولكن منذ ذلك الحين دخلت قضية تاريخية وأثرية مدينة أوجفت في سبات عميق، وظلت تنتظر ردحا من الزمن حتى مهرجان تيشيت سنة 2013 تقريبا، حيث قيم بنشاطات فعلية من قبل العمدة السابق محمد المخطار/أحمين اعمر، الذي قام بجهود شاقة ومضنية من أجل تصنيف أوجفت ضمن المدن الأثرية، التي تتموقع في المرتبة الأولى، ويحتفل بها في مهرجانات المدن القديمة. أحمين اعمر زار مهرجان تيشيت حاملا رسالة بالمطلب لرئيس الجمهورية السيد محمد/عبد العزيز، الذي أعطى تعليماته مباشرة للوزيرة سيسه/بيده باتخاذ الإجراءات اللازمة لإنصاف مدينة أوجفت. وفي مكتبها في وزارة الثقافة والشباب والرياضة آنذاك التقت الوزيرة بالعمدة محمد المخطار، ومعه الباحث السني/عبداوه، وطلبت إعداد ملف مدينة أوجفت من أجل أن تنال حقها المسلوب، واشتمل الملف المطالب به من قبل الوزيرة تحديدا على: إجراءات إدارية.ü دراسة أثرية من مكتب مختص.ü دراسة تاريخية.ü وفعلا تمت مباشرة الإجراءات، فقيم بدراسة أثرية من قبل مكتب مختص يسمى crea، وكلفت الدراسة 1400000 أوقية، فيما قدم الباحث السني/عبداوه دراسة تاريخية تضمنت أبرز محطات عمارة أوجفت، وتأسيسها. وقد قام العمدة محمد المخطار بإعداد فيلم وثائقي عن أوجفت دعما للقضية إعلاميا، ولفتا لأنظار العموم والخصوص إلى أن أوجفت لها مكانة خاصة في عمق التاريخ العالمي والوطني، وكان الفيلم الوثائقي يعرض بشكل مضطرد في الإعلام الوطني على اختلافه. وقيم في الإطار بإحصاء دور المدينة القديمة، والحصول على تنازلات من ملاك تلك الدور عنها لصالح التراث الإنساني، واكتمل الملف، بل فار التنور، ولم يبق إلا أن يضرب موعد للمدينة الأثرية أوجفت مع لحظة حاسمة تعيد لها الاعتبار، وبعضا من أمجادها الضائعة بفعل التجاسر على تاريخها رغم وجود فائض من العلامات والشواهد التي تشهد لأوجفت بما تستحقه من مكانة سامقة. وإذ اكتملت الأمور بقي شيء يسير، تم القيام به على عجالة حملت في طياتها شيئا من التأني، الذي يضمن سلامة الرحلة، فكان أوجفت على موعد مع ملتقى أوجفت التاريخي، الذي استقطب طيفا وطنيا كبيرا، وجمهورا عريضا، تقاطر على أوجفت ليتنسم عبق تاريخها وأصالتها، وليرى بأم العين أنشودة الإنسان الموريتاني القديم، ويتلمس أثرا بقي بعد عين لأقوام مروا يوما هنالك على ظهور العيس، وأقام بعضهم ردحا من الزمن، وبعضهم أقام الزمن كله المتبقي من حكاية الدنيا في مقبرة أوجفت القديمة. ملتقى أوجفت تم دعمه من قبل مجموعة من الأبناء المخلصين للقضية من بينهم، رجل الأعمال محمد/انويكظ، ورجل الأعمال اشريف/عبد الله، والجنرال محمد الهادي، ورجل الأعمال محمد لحبيب سيد/ ألمين، ورجل الأعمال خداد/المخطار، ورجل الأعمال/ أحمد سالم، ورجل الأعمال سيدي/المخطار، ورجل الأعمال سيدي/لبشير، والوجيه محمد عبد الله/الشيخ الملقب "حمامة المسجد"، وآخرون لا أستحضر أسماءهم. وإلى جانب ملف مدينة أوجفت كان ثمة ملف قرن القصبة، الذي تم دعمه من قبل مجموعة من الأطر منهم، رجل الأعمال محمد/انويكظ أساسا، وكذا أبناء عمار، والفيدرال سيدين/سيد احمد، والمؤرخ الوجيه السفير محمد سعيد همدي، والعمدة الحالي لمدينة أطار سيد احمد/أهميمد. وقد تابع عمدة أوجفت محمد المخطار احمين اعمر بشهادة المهتمين بملف قرن القصبه مراحل الملف، وقدم مساعدات مهمة في الإطار. نضالات مجموعة الملفين أتت أكلها، فأخيرا سيتسلم عمدة أوجفت الحالي الدكتور محمد جدا ثمرة نضال مهم، حيث سيتسلم من وزيرة الثقافة والصناعة التقليدية هند/عينينه مقررا يعترف لأوجفت بأنه مدينة أثرية ذات امتيازات تؤهلها للاهتمام بها وإدراجها ضمن التراث العالمي الإنساني، ليكون هذا الاعتراف طريقا سالكا إلى اليونسكو، ومن ثم إلى مهرجان المدن القديمة، ويحصل ذات الشيء مع قرن القصبه، حيث سيتسلم ولد اهميمد من الوزيرة مقررا مشابها. وتعد قضية أوجفت وأطار "قرن القصبه" مهمة جدا، وستعطي دفعا ثقافيا، وسياحيا، واقتصاديا للمدينتين، كما تشكل إنجازا للنظام القائم برئاسة ولد عبد العزيز، وإنجازا لعمدة أوجفت السابق محمد المخطار احمين اعمر. وبالمناسبة فإنني أهنئ محمد المخطار/احمين اعمر على الإنجاز الذي سيظل شاهدا على بعض ما قدمه للوطن عموما، ولأوجفت خصوصا من إسهامات عملية مهمة، تستحق وإن اختلف معي ومعه البعض أن يقال عنها ما قاله هواري أبو مدين، الرئيس الجزائري الأسبق عن نفسه بعد إحدى أهم تدشيناته، حيث قال: "إذا مات هوري أبو مدين، وتهاطلت دموع الجزائريين على قبره باللعنات، فلن تتهاطل على إنجازات شيدها أبو مدين"، وأيضا لن تلعن أوجفت يوما دخولها للتاريخ من أوسع أبوابه، وهي تستحق. وأهنئ بالمناسبة الباحث المؤرخ السني/عبداوه على تجشمه عناء حمل هذه القضية، وإصراره المستميت عليها، وتقديمه لأوجفت من خلال مهرجانات المدن القيمة، ومن خلال جمعية شمس الدين. وأهنئ ساكنة أوجفت وساكنة أطار، ورجال الأعمال، وأطلب من الجميع أطرا وعموما ورجال أعمال استثمار الحدث . ولا أنسى –وختامه مسك- أن أهنئ وأشكر الشيخ ولد محمد الشيخ على ما قام به من جهود مثمرة في هذا السياق. يذكر أن مهرجان المدن القديمة نظم حتى الآن خمس مرات، هي على التوالي:
شنقيط 2011
وادان 2012
تيشيت 2013
ولاته 2014
شنقيط 2015
وننتظره بعد حين في وادان للمرة الثانية، ونرجو أن يضع مدننا التاريخية الأخرى في الاعتبار. وما القول في النهاية إلا ما قال الفيتوري: ويحسبونك شيئاً مثلهــــم عرضاً
يمر بالكون حينا ثـــــــــم يــندثرُ
فليسمع الحالمون الراقدون على ... بطونهم والدجى من فوقهم حجرُ
ان المقادير تستثني الرجال وإن ... تشابه البشــــــــر الأفذاذ والبشرُ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق